شهدت العقود الأخيرة تحولاً جذريًا في المفاهيم المرتبطة بإدارة الشأن العام، حيث انتقل التركيز من الدولة المركزية المطلقة إلى الدولة التشاركية التي تُشرك المواطن في صنع القرار، وتُحاسب مؤسساتها وفق مبادئ الشفافية والمساءلة. وقد برز في هذا السياق مفهومان جوهريان: المواطنة والحكم الراشد، باعتبارهما ركيزتين أساسيتين لأي نظام سياسي يسعى إلى بناء مجتمع عادل، منفتح، ومسؤول.
إن المواطنة، بمفهومها الحديث، لم تعد تقتصر على الانتماء القانوني للدولة، بل أصبحت ترتبط بمجموعة من الحقوق والواجبات المتبادلة بين الفرد والدولة، بما في ذلك المشاركة السياسية، واحترام القانون، والانخراط في الحياة العامة. أما الحكم الراشد، فهو نمط من أنماط الحكم يقوم على سيادة القانون، الشفافية، الفعالية، التشاركية، والمساءلة، ويُعد من المؤشرات الجوهرية لقياس مدى نضج الأنظمة السياسية وقدرتها على الاستجابة لتطلعات شعوبها.
في السياق الجزائري، تُطرح هذه المفاهيم بإلحاح متزايد، خاصة في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي عرفتها البلاد، لا سيما منذ حراك 22 فيفري 2019، والذي أعاد تشكيل العلاقة بين المواطن والدولة، وأبرز الحاجة إلى إصلاحات عميقة تعيد الاعتبار لصوت المواطن وتُفعّل آليات الحكم الراشد. ورغم ما حملته التعديلات الدستورية الأخيرة، لا سيما دستور 2020، من إشارات قوية إلى دعم هذه التوجهات، إلا أن الواقع يكشف عن فجوة معتبرة بين النصوص القانونية والممارسات الفعلية، مما يستوجب دراسة معمقة لهذه العلاقة الجدلية.