جهود علماء تلمسان في علوم القرآن

       لاَ يَخفَى عَلى أَحَدٍ أَنَّ مَدِينَةَ تِلِمْسَان مِنَ المـُدُنِ التي سَاهمَتْ وَلَا تَزَالُ تُسَاهِمُ في إِثْرَاءِ الحَرَكَة العِلمِيَّة وَالثَّقَافيَّةِ وَرفْع رَايةِ القُرآنِ حِفْظًا وَرَسْمًا وَقِرَاءَةً وَتَفْسِيرًا، فَالنَّاظِرُ في كُتُبِ التَّارِيخ وَالتَّرَاجُم لَيَجِدُ كمًا هائلاً مِنَ العُلمَاَءِ وَالأُدَبَاء وَالأَوْليَاء الذِينَ حَازُوا الشَّرفَ بِحُصُولهِم عَلى الرُّتْبَةِ وَالدَّرَجَة، وَمَا قدَّمَهُ أُمَرَاؤُها وَسَلاطِينُها مِن إِنشَاءِ المدَارِس وَالكتَاتِيبِ القُرآنِيَّةِ التي كَانَتْ خَيْرَ دَلِيلٍ على اعتِنَائهِم بِالعِلمِ وَالعُلَمَاءِ، وَبِاعتبَارِهَا أَيضاً مَركزًا مِن المرَاكزِ التَّعْليميَّة العَالَميَّة -فِي وَقتٍ مضَى- حَيثُ كَانَت تُضَاهي العَوَاصمَ العِلْميَّةِ، فَإذَا دَخَلتَ المغربَ الإِسلاَمِيَّ مِن نَاحيَة المـَشْرِق فَإنّكَ تجدُ ثَلاَثَ عَواصِمَ عِلميَّةٍ كَانَ لهَا الأَثَرُ الكبِيرُ في خِدْمَةِ العِلمِ وَالبَشَريَّةِ عَلَى حدٍ سَوَاء، أوَّلُ هَذهِ العَوَاصمِ مَدِينَةُ القَيروَانِ ثُمّ تَليهَا مَدينَةُ تِلمسَان ثُمَّ مَدِينةُ فَاسٍ المغرِبيةِ، أَضفْ إلى أَنّ مَدِينتنَا هَذِه كَانَت وَلَا تَزَالُ مَطْمعَ الأُمرَاءِ والسَّلاَطِين، فَهيَ مَدينَةٌ عَريقَةٌ في التَّمَدُّنِ سَاحِرَةُ الجَمَالِ، جمَعَت بَيْن الصَّحْرَاءِ وَالرِّيفِ، وَوُضِعَت في مَوْضِعٍ شَرِيفٍ، هَكَذَا قَالَ عَنْهَا لسَاُن الدِّينِ الخَطِيبِ.